Sunday, November 20, 2011

دروس وعبر

  ربما وضعت الحرب الصهيونية الجائرة على لبنان أوزارها في غضون اليومين المقبلين. هذا ما يلوح في الأفق الآن. ونتمنى أن يتحقق ذلك اليوم وقبل الغد ليعود لبنان الشقيق إلى سابق حيويته ونضارته وازدهاره.
 
    غير أن الحية إسرائيل قد أخذت العزم على أن يكون نهشها في الجسد اللبناني، في هذه اللحظات المتبقية، موجعا وقويا للإجهاز عليه، وتقطيع ما بقي من أوصاله، قبل اندحارها إلى الخلف ذليلة مهزومة تجرجر ذيول خيبتها ونكستها أمام ضربات ودفاعات المقاومة اللبنانية الباسلة. وكل ذلك العض والنهش المحموم المسموم قد تم، كما هو معلوم، بضوء أخضر أمريكي وبصفاقة أمري صهيونية متبجحة مغرورة، وبتفويض دولي متكالب مذعن للقرار الأمريكي المتحكم المتغلب، وباعتراض خجول متذبذب يترنح في مكانه لا يقدم ولا يؤخر، وعلى مرأى ومسمع من العالم كله، ومن خلال بث حي مباشر. وكأننا أمام فصل من فصول تلفزيون الواقع الأمريكي المتصهين تجري أحداثه التدميرية المرعبة على بلاد لبنان الشامخ شموخ جباله، القوي بتنوعه واتحاده.  
 
   لا نريد استباق الأحداث، وكشف حساب سريع عن أضرار الحرب وأوضارها المادية والنفسية على بلد لبنان وعلى محيطه. فهذا أمر له أصحابه وناسه المكتوون بناره، وقد يفوق كل التقديرات والتوقعات أمام بعض ما أظهرته لنا عدسات التصوير من ركام وحطام وجثث وأشلاء. ولكننا نكتفي الآن بتقديم ما عن لنا من ملاحظات واستنتاجات:
 
·       لقد أثبتت المقاومة اللبنانية الباسلة بما لا يدع مجالا للشك، أن إرادة الحياة العزيزة الشريفة معدن نفيس في هذه الأمة العربية الإسلامية مهما علاها من صدأ أو أحاط بها من غثاء. وقد جعل الله سره اليوم في هذه الفئة القليلة المنصورة المحيطة ببيت المقدس وبأكنافه من فتية حماس وحزب الله. فهم ذخيرة هذه الأمة وعدتها الباقية، بعد الذي بدا من عجز حكامنا وساساتنا في الحفاظ على شرف هذه الأمة الذي يداس في أكثر من مكان عربي بأقدام الأمركة والصهينة النجسة.
·       لقد قدمت المقاومة فضلا عن مكاسبها التي لا تقدر بثمن على أرض المعركة البرية، دروسا في الصبر والنبل وسمو الخلق وحسن التخطيط وفن إدارة الحرب وفن الخطاب المتدرج، وفي الترفع عن توافه الأمور وقشور الجدل، فلم تذعن ولم تساوم ولم تعبأ بالصياح والنباح من حولها، بل وفرت كامل مجهودها وطاقتها لأجل هدف المقاومة وحده، حتى دحرت العدو وهزمته وضربته عند إقباله وإدباره، بكل قوته وعتاده.
·       ومع تلك المكاسب الشريفة فقد كثرت الأراجيف عن المقاومة اللبنانية من هنا وهناك داخل البلدان العربية الإسلامية، من كل لون وطيف. وكان حريا بمن في فكره وضر مذهبي أو سخام طائفي أن يلوذ بالصمت حتى ينجلي غبار المعركة، وعندها يكون لكل حادث حديث. ومع الأسف الشديد فقد تلقف العدو تلك الأراجيف الباطلة في حينها بلهفة، كمن وقع على كنز ثمين، وتشدق بها عله يحول جزء من هذه الأمة إلى شاهد دفاع لصالحه، والدليل على ذلك هذا الجدل السفسطائي العقيم الخبيث الذي لا زال يدور حتى الآن في كثير من الساحات الفكرية والإعلامية، وفي المواقع والمنتديات لتحويل الأنظار بشكل لئيم خبيث عن منجزات المقاومة اللبنانية والفلسطينية على حد سواء، وليُمتص مجهودها وتُنهب ثمارها، كما عودنا التاريخ العربي حيث دائما تسرق ثورات الشعوب العربية لصالح حفنة من حكامنا العرب المستبدين وأذنابهم والمنتفعين من جوقتهم، ولأنهم لا يثقون بشعوبهم بسبب ظلمهم وجهلهم وغبائهم فهم يحسبون كل صيحة عليهم.
·       لقد تحولت هذه الحرب الصهيونية الأمريكية المعلنة على مقاومة الشعب اللبناني وبإسناد مبطن أو معلن من الحكومات العربية إلى نوع من الحروب الكثيرة الأخرى الخفية بين حكوماتنا الموقرة وبين شعوبها، من خلال تكميم الأفواه ومصادرة الأصوات الغاضبة بالردع تارة والترهيب تارة أخرى، ولتدخل الشعوب العربية فصولا أخرى من سياسة تشديد الخناق على حريتها وإرادتها، فحرب هناك في لبنان وفلسطين والعراق على المقاومة المناهضة للاحتلال، وحرب هنا أو هناك على الشعوب المنددة بالصمت والخذلان..
·       الآن وفي هذه الظروف الحاسمة قطعت الشعوب العربية رجاءها من صلاح حكامها الأشاوس، بانحيازهم السافر لصالح إحباط المقاومة، ولو وقفوا لحظة واحدة إلى جانب المقاومة بالقول على الأقل، لكان لهم شأن آخر مع شعوبهم، ولما تمادى العدوان الإسرائيلي إلى حدوده القصوى غير آبه بالمذابح والمجازر، فلا من يلومه ولا من يصده، وحدها ضربات المقاومة الموجعة كشفت غطاءه، وأسقطت قناعه الذي يخفي وراءه جبنا وخوفا.
·       الآن كشف الغطاء أيضا عن لؤم وخبث سيدة دول العالم المتحضر المتحرر أمريكا صاحبة إمبراطورية الشر، ومشروع تدمير الشرق الأوسط، على حكامه وشعوبه، ليخلو لها الجو، وتستحوذ منفردة على بتروله وثرواته.
·       إن انتصار المقاومة في لبنان انتصار لإرادة الشعوب العربية المتحررة، وصحوة ضمير لمن يريد أن يستفيق من الوهم الأمريكي وينزع من قلبه داء حبها المسموم الخبيث، وهو في نفس الوقت هزيمة لأسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وسقوط ذريع جديد لراعيتها أمريكا في المستنقع اللبناني، ونكسة شنيعة لحكامنا الأشاوس في عقر قصورهم الذين أصابهم من الخيبة الأخلاقية ما أصاب راعيتهم أمريكا والحارسة والغاصبة لحقول النفط العربي وحقوقه…   

No comments:

Post a Comment